العبادة والعمل في الإسلام صنوان لا يفترقان وقيمتان متلازمتان , فالعبادة عمل يسعى به المسلم إلى إرضاء ربه ومولاه ,وهي المقصد الأسمى والأعلى من خلق الإنسان , قال سبحانه : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) سورة الذاريات .
والعمل عبادة لأنه يحقق معنى الاستخلاف في الأرض الذي هو الغاية أيضا من خلق الإنسان , قال عز من قائل : "هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) سورة هود.
لذا فقد ربط سبحانه بين الصلاة كعبادة والسعي في الأرض كعبادة أيضاً , قال تعالى : " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) سورة الجمعة .
وربط النبي صلى الله عليه وسلم بين الصوم والعمل , فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىُّ , قَالَ : حَدَّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ : قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِى وَأَنَا صَائِمٌ. أخرجه أحمد 5/201(22096) , و"النَّسائي" 4/201.
لذا فقد رفض صلى الله عليه وسلم جعل الصوم تكأة وحجة لترك العمل , والتعلل به وجعله سبيلا إلى العنت والمشقة , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ ، عَامَ الْفَتْحِ ، فِي رَمَضَانَ ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ ، فَصَامَ النَّاسُ ، فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنَ الْمَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ ، فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ ، وَصَامَ بَعْضٌ ، فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا ، فَقَالَ : أُولَئِكَ الْعُصَاةُ. أخرجه "مسلم" 3/141(2579) و"النَّسائي" 4/177 ، وفي "الكبرى" 2583.
قال الشاعر :
رمضان سر الله في أيامه* * * يهدي العصي وللنعيم يقوده
فالليل تال والكتاب مرتل * * * ومن الملائكة الكرام شهوده
والذكر والدعوات في آنائه * * * سيل يفيض فلا تبين حدوده
والرحمة العظمى تبارك أهلها* * * ولكل أهل حظه وسعوده
إن المسلمين هم الذين حوَّلوا هذا الشهر إلى شهر كسل وتراخٍ بما يسهرونه من الليل وينامونه من النهار، ولو أنهم صاموا حق الصيام، وتحرَّوا الوصول إلى مقاصد الصيام العظيمة لتحقق للأمة في هذا الشهر من الكفاية الإنتاجية ما يكفيها باقي السنة.
وتاريخ المسلمين الطويل شاهد على أن هذا الشهر هو شهر الإنتاج والعمل، وشهر الانتصارات الكبرى، حين تهب ريح الإيمان، ونسمات التقوى، وتتعالى صيحات الله أكبر فيتنزل النصر من الله تعالى